القومية
كتبه/ علاء بكر
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد،
فالدعوة إلى القوميات تهدف إلى تفضيل جنس على سائر الأجناس، أو وطن على سائر الأوطان، فتضع الحواجز بين الأمم وتباعد بينها منمية الأثرة وحب الذات، ولقد ظهرت الدعوة إلى القومية العربية أواخر القرن التاسع عشر الميلادي وأوائل القرن العشرين الميلادي، حيث بدأت على صورة حركة سياسية سرية تدعو إلى تمجيد العرب، وإحلال رابطة الدم والقربى واللغة محل رابطة الدين، وتبناها كصدى للفكر القومي الذي ظهر في أوروبا نصارى الشام وبعض الجمعيات الأدبية؛ إذ كانت هذه الدعوة مناهضة للدولة العثمانية والخلافة الإسلامية، وقد تجاوب مع هذه الدعوة من المسلمين من رأى فيها أنها رد فعل لظهور الدعوة إلى القومية الطورانية في تركيا، وخلال الحرب العالمية الأولى قامت الثورة العربية ضد الدولة العثمانية، على وعد بإقامة دولة عربية مستقلة حال هزيمة تركيا، ولكن غدروا بالعرب الذي ساعدوهم ضد تركيا، وتمت تقسمة البلاد العربية وفق معاهدة "سايكس بيكو" بين إنجلترا وفرنسا، مع تعهد بإقامة دولة يهودية على أرض فلسطين طبقاً لوعد بلفور لزعماء الصهيونية. أما دعاة القومية الطورانية في تركيا فقاموا بإسقاط الخلافة الإسلامية.
أصبحت الدعوة إلى القومية العربية ذات تيار شعبي بعد حصول العديد من الدول العربية على استقلالها، وتبارى حكام العرب في الدعوة إلى القومية العربية، وتصدرهم جمال عبد الناصر حيث سخـَّر إمكانيات مصر وأجهزة الإعلام فيها للدعوة إليها.
يعد "ساطع الحصري" رائد القومية العربية وأهم مفكريها، ويليه "ميشيل عفلق" وهو نصراني أسس حزب البعث القومي في العديد من البلاد العربية كحزب البعث في سوريا والعراق، والحزب الناصري في مصر، وحركة الوحدة الشعبية في تونس.
والدعوة إلى القومية تخالف دين الإسلام، فالإسلام دعوة عالمية لا تفرق بين الأجناس والشعوب ولا تعرف القوميات، فالإسلام يسع الأرض كلها، وينمي شعور الأخوة الإيمانية بن سكان الأرض جميعاً، وتساوي بينهم في الحقوق والواجبات، وتؤلف بين الناس بأقوى رباط وهو رباط عقيدة الواحدة.
لقد أزال الإسلام ما كان قبله من قوميات وحضارات قديمة، وصنع لنفسه حضارة جديدة استمرت أكثر من ألف سنة، حضارة انصهرت فيها كل الحضارات والقوميات التي سبقته في بوتقة الإسلام، لتنتج للبشرية حضارة زاهرة استوعبت علوم السابقين، وقدمت للعلم علماء عرب وغير عرب في شتى فروع العلم، ولولا أعمال هؤلاء العلماء من المسلمين ما ظهرت النهضة في أوروبا، ولتأخرت عدة قرون.
إن الدعوة إلى القومية تفرق بين المسلمين، وتفصل بين المسلم العربي والمسلم غير العربي، والإسلام يدعو إلى الوحدة وترك التفرق.
والدعوة إلى القومية دعوة إلى عصبية هي من أمر الجاهلية، وفي الحديث المرفوع: (أبدعوى الجاهلية وأنا بين أظهركم)، وقوله -صلى الله عليه وسلم-: (ليس منا من دعا إلى عصبية، وليس منا من قاتل على عصبية، وليس منا من غضب لعصبية)
وفي الحديث المرفوع: (ومن ادعى دعوى الجاهلية فإنه من جـُثا جهنم فقال رجل يا رسول الله وإن صلى وصام قال وإن صلى وصام فادعوا بدعوى الله الذي سماكم المسلمين المؤمنين عباد الله) رواه الترمذي، وصححه الألباني.
ولا يخفى أن الدعوة إلى القومية دعوة إلى موالاة الكفار العرب من غير المسلمين وملاحدتهم، وقد قال الله -تعالى-: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ)(المائدة:51)، وقال -تعالى-: (لا تَجِدُ قَوْماً يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءَهُمْ أَوْ أَبْنَاءَهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ)(المجادلة:22).
www.salafvoice.comموقع صوت السلف