بسم الله الرحمن الرحيم
حرب على (الوهابية)؟ أم (السلفية) ؟ أم (الإسلام) ؟
د . أحمد بن عبدالرحمن القاضي
الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده. أما بعد :
فتنبعث بين آونةٍ وأخرى، صرخات محمومة، تنادي بالحرب على (الوهابية)، وترتفع أيدٍ مكلومة، تشير، تحديداً، إلى (السعودية)، بوصفها، حاضنة الدعوة السلفية، ومنطلقها، قديماً، وحديثاً. وقد ارتفعت وتيرة هذه الدعوات الموتورة، إثر أحداث الحادي عشر من سبتمبر، لتصفِّي حسابات سابقة، مع المد الإسلامي، السلفي، الكاسح، الذي استقطب الجمهور الإسلامي، في البلاد الإسلامية المختلفة، وامتد إلى التجمعات، والأقليات الإسلامية، في أركان الكرة الأرضية، بتألقه، وصفائه، وأصالته.
يتحالف، في مصر، أفراد من فلول الصوفية الخاملة، مع مرتزقة تمولهم الرافضة، بالإضافة إلى عجائز من الأشاعرة، وعقلانيين مفلسين، بعضهم من بعض، قد انصرف عنهم الناس، ونفضوا أيديهم من أطروحاتهم الخاسرة، فيقيموا مؤامرة، بعنوان : (مؤتمر الوهابية خطر على العالم والإسلام) !
ويتحالف الخائن، الشيعي، الباطني، علي اليامي، مع مؤسسة هيرتيج الأمريكية، فيعقد مؤامرة أخرى، بعنوان : (خطوات لإضعاف التطرف الإسلامي، من الجانب السعودي) !
ما ذا يريد هؤلاء حقاً؟ هل يريدون الحرب على ما يسمونه الوهابية؟ أم على السلفية؟ أم على الإسلام؟ إن قراءة لقائمة التهم، الموجهة للوهابية، تنضح بما يلي :
1- الوهابية كدعوة، وفكر، تقوم على نفيالآخر، وتكفيره.
2- الوهابية تهدد الأمن، والسلم في كافة دول العالم الإسلامي؛ لما تبثه منأفكار إرهابية، وإجرامية شديدة الخطورة.
3- الوهابية لها موقف سلبي من المرأة،والعلم، والموسيقى وجميع الفنون.
4- الوهابية لها موقف سلبي منالمسيحيين، بل من أصحاب المذاهب الإسلاميةالأخرى (كالشيعة، والأشاعرة، وغيرهم)، وهي دعوة للجاهلية.
5- أغلب الموروث الوهابي قائمعلى الإرهاب الفكري والديني، ومخاصمة الواقع والعقل، والقتل باسم الله، والله منهبراء، وأن ما يجري في العراق، وأفغانستان، بل وحتى السعودية، راعية هذا الفكر، من قتل، وإرهاب على الهوية، يؤكد أننا أمام دعوة للإجرام، والقتل، وليس أمام دعوة لإسلام سمح، معتدل.
6- وصف معهد هيريتيج، السعودية بأنها "مصدر رئيسي للمفجرين الانتحاريين، والتحريض الديني, وممولي المدارس والمساجد المتطرفة حول العالم"
بمثل هذه البجاحة، والصفاقة، تكال التهم جزافاً، في زمن تطورت فيه أساليب البحث العلمي، وأدواته، وبلغت الدقة غايتها في التمييز بين ألوان الطيف، ورصد التوجهات، مما يدل أن وراء الأكمة ما وراءها، وأن القوم أرادوا ركوب موجة (الحرب على الإرهاب) التي تتبناها القوى العالمية، لطعن مواطنيهم الأبرياء، بسبب خلافات مذهبية، وحسابات خاصة، يستقوون بها على الصوت السلفي، القوي النقي، الذي يزعج الصوفية في همهماتهم، والرافضة في حسينياتهم، والأشاعرة في كلامياتهم، والعقلانيين في تعدياتهم على النصوص، وتحريفاتهم.
باختصار، ليست القضية قضية (الوهابية)، فقد ظلت الدعوة السلفية، في نجد، قائمة منذ قرون، وحتى بعد إعلان المملكة العربية السعودية عام 1351هـ، بقيت محافظة على معتقداتها الإصلاحية، داعية إليها بالحكمة، والدليل الشرعي، والعقلي، لنحو ثمانين سنة، حتى يومنا هذا، من عام 1431، دون أن تفتعل احتراباً داخلياً، أو عدواناً خارجياً، فكيف تهدر تجربة ثمانين سنة، بجريرة أفراد خارجين عن النسق السلفي، الصريح، المعلن، المعتبر، ذي المرجعيات العلمية المعروفة ؟
إننا في هذا المقام، لا نجامل أحداً، ولا نعتذر لأحد. لسنا في موقع التهمة، كما أننا لسنا مخولين أن نعتذر عن شيء من مكونات ديننا، وعقائده، وشرائعه، فالإسلام دين الله، الحق، الشامل، الكامل، العادل. وليس من حق أحدٍ، كائناً من كان، أن يجري عليه تغييرات عصرية، أو يعيد إخراجه إخراجاً غربياً، ليتوافق مع قوانين الأمم المتحدة.
وبالعودة إلى قائمة الدعاوى السابقة، نقول :
- أولاً : الدعوة السلفية لا تنفي الآخر، بل تستنقذه، وتسعى لانتشاله من وهدة الكفر، والشرك، والبدعة، والظلم، إلى قمة الكرامة الإنسانية، المتمثلة بإفراد الله بالعبودية، ونبيه r بالاتباع، وتأبى عبودية العباد للعباد، وارتهانهم لأرباب الطرق، والعمائم السود، ودهاقنة الفلسفة. ولا تكفر إلا من كفره الله ورسوله، من المشركين، وأهل الكتاب، والذين لا يعلمون. وتأبى أن يكون وصف (الإيمان) عباءة فضفاضة تجلل الوثني البوذي، واليهودي البذيء، والنصراني المثلِّث، والرافضي الباطني، والصوفي القائل بالحلول، ووحدة الوجود.
- ثانياً : الدعوة السلفية أحرص الدعوات على حقن الدماء، وطاعة ولاة الأمر، وتحريم الخروج عليهم. ولم تسلك في تاريخها القديم، ولا في واقعها المعاصر، أسلوب الثورات، بل ولا المظاهرات. بينما يباشر ذلك أطرافٌ أخرى ممن يقفون خلف المؤتمرين، في القاهرة، وواشنطن، وينشرون القلاقل، والفتن، والحروب، في كل مكان في العالم. فأين العدل، والإنصاف؟!
- ثالثاً : ليس للدعوة السلفية موقف سلبي من المرأة. موقفها موقف (الإسلام) . فإن كنتم تنشدون وضعيةً جاهليةً للمرأة فكونوا شجعاناً، وأفصحوا عن شهواتكم، وشبهاتكم. قولوا : نريد مساواة المرأة بالرجل في الميراث! قولوا: نريد تعرية المرأة على الشواطئ، والشاشات، كما يصنع الغرب! قولوا : نريد إسقاط قوامة الرجل على زوجته، وبناته، كما يصنع الغربيون ! لنقول لكم، بملأ أفواهنا: لا، ولا كرامة! هذا ديننا الذي ارتضاه الله لنا، قد رضيناه، فإن لم ترضوه، فابحثوا لكم عن دين سواه، ولا تنتحلوه، نفاقاً، وتزييفاً. وأما العلم فنحن أسعد الناس بالعلوم النافعة، ولم تزل كوادر السلفيين تبرز في جميع أنواع العلوم المفيدة. وأما الموسيقى فبضاعة الصوفية قديماً، وألحان الفساق حديثاً، وقد أعاضنا الله عنها بالتغني بكلامه.
- رابعاً : الدعوة السلفية تجمع بين الوضوح في الحق، والرحمة بالخلق. فهي حين تنتقد كل ملة، أو طائفة، أو فرقة، من الإسلاميين، أو غيرهم، تطرح طرحاً واضحاً جلياً، بعيداً عن العموم، والإجمال، والضبابية. لكنها، في الوقت نفسه، تشعر بالشفقة، والنصح لجميع الخلق، وترجو أن يقبلوا البشرى، ويغتبطوا بنعمة الله. ولا تتجنى على أحد، ولا تعتدي على معاهَد، أو مستأمن، أو ذمي، فضلاً أن يكون من أهل التوحيد.
- خامساً : الموروث السلفي لم ينشئ طوال العقود الماضية ما ادعيتم من إرهاب فكري، ولا قتل باسم الدين. وإنما مارس ذلك المعتزلة في الدولة العباسية، والأشاعرة في الدولة الأيوبية، والرافضة في ظل الثورة الخمينية. وسبحان الله ! من الذي يمارس القتل، والإرهاب، والاحتلال، في العراق، وأفغانستان، وغيرهما؟ أليس من خلفكم من الرافضة والأمريكان ؟ أين العدل والإنصاف؟!
- سادساَ : وأخيراً ! ألا تكفون عن وصم (السعودية) بألقاب السوء؟ نعم! السعودية، بفضل الله، حاضنة السلفية، وراعية التوحيد، لكنها، بريئة من (الإرهاب) ، بل هي أعظم المتضررين منه. والواقع أكبر شاهد. فعلام المغالطة،وتحميل البريء جريرة الجاني؟
~إن (السلفية) أو ما تسمونه (الوهابية) هي الصورة الناصعة الصادقة للإسلام الصحيح، الخلي من البدع، والشركيات، والفلسفات الدخيلة. هي الإسلام الحي، اليقظ، والقلب النابض لهذه الأمة، فإن هاجمتم الوهابية، فإنما تهاجمون السلفية، وإن هاجمتم السلفية، فإنما تهاجمون الإسلام. فلا عجب أن يصطف اليهود، والنصارى، والمبتدعة، ضدها، ليطفئوا نور الله، وأنى لهم.
﴿يرِيدُونَ أَنْ يُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَيَأْبَى اللَّهُ إِلَّا أَنْ يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ * هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ﴾[التوبة : 32 ، 33]